عدد المساهمات : 8149 نقاط : 19367 تاريخ التسجيل : 14/11/2011
موضوع: استعمار البشر كوكب المريخ الخميس يونيو 07, 2018 10:22 pm
استضاف قسم علم الكواكب التابع لـ"ناسا" في مقره بالعاصمة الأمريكية مؤخراً، ورشة عمل بعنوان "رؤية مستقبلية لعلم الكواكب 2050". وحضر هذا الحدث المهم علماء وباحثين من مختلف أنحاء العالم للنقاش وتبادل الأفكار حول مستقبل استكشاف الفضاء.
وخلال الورشة حظي عرض عنوانه "بيئة المريخ المستقبلية من المنظور العلمي والاستكشافي" باهتمام بالغ إذ ناقش إمكانية استكشاف المريخ من قبل رواد الفضاء البشريين.
وناقش العالم جيم غرين مدير قسم علم الكواكب في "ناسا" كيف أن نشر درع مغناطيسي حول المريخ يمكن أن يعزز غلافه الجوي ويسهل المهمة على البعثات المستقبلية المأهولة بالبشر إلى المريخ.
ونقل موقع "الباحثون السوريون" عن نقاشات ورشة العمل بأن المجتمع العلمي يتفق حالياً على فكرة امتلاك المريخ سابقاً لحقل مغناطيسي مماثل للحقل المغناطيسي للأرض، ويحمي غلافه الجوي.
ولكنه اختفى قبل 4.2 مليار سنة بشكل فجائي مسبباً تلاشي الغلاف الجوي ببطء في الفضاء، وتحول المريخ على مدى 500 مليون سنة لاحقة من بيئة دافئة ورطبة إلى مكان بارد ومقفر وغير صالح للحياة كما هو الآن.
وتأكدت هذه النظرية مؤخراً بفضل مركبات مدارية قامت بدراسة الغلاف الجوي للمريخ منذ العام 2004 حتى عام 2014، بحسب "الباحثون السوريون"، فقد أكدت تلك المركبات أن الرياح الشمسية هي السبب في استنفاذ الغلاف الجوي للمريخ، كما قامت بقياس معدل فقدانه والذي لايزال مستمراً حتى الآن.
وقال غرين: سيبقى المريخ في حال غياب الغلاف الجوي بارداً وجافاً وغير صالح لازدهار الحياة على سطحه وسيتعين على الرحلات المأهولة التي تأمل "ناسا" إطلاقها بحلول عام 2030 التعامل مع مخاطر شديدة كخطر الاختناق وخطر التعرض للإشعاع، وبالتالي سيتعرض مستعمرو المريخ — في حال تمكنوا من استعماره — للعديد من المخاطر إذا بقي هذا الكوكب بدون غلاف جوي يحميه.
وفي هذا الصدد ذكر "الباحثون السوريون" أن الدكتور غرين ومجموعة من الباحثين قدموا فكرة طموحة للتغلب على هذا التحدي إذ اقترحوا وضع درع مغناطيسي ثنائي الاقطاب عند "نقطة لاغرانج الأولى" وسيؤدي هذا الدرع المغناطيسي إلى تشكل مجال مغناطيسي صُنعي يحيط بكوكب المريخ بشكل كامل ويحميه من الرياح الشمسية والإشعاع كما تظهر الصورة.
المريخ PHOTO / SYRIAN RESEARCHERS المريخ إن الموقع المذكور لهذه الدرع المغناطيسية سيوفر الحماية لأكثر منطقتين تفتقران للغلاف الجوي على المريخ.
المنطقة الأولى تقع فوق منطقة القطب الشمالي التي تحتوي على مواد ذات طاقة تأين عالية أما الثانية فتقع في المنطقة الاستوائية التي تحتوي على طاقة موسمية منخفضة مع معدل إفلات لأيونات الأوكسجين يصل إلى 0.1 كغ / ثانية.
وأكدت التجارب أن الدرع المغناطيسي عند "نقطة لاغرانج الأولى" سيكون قادراً على مواجهة الرياح الشمسية الأمر الذي يحقق توازناً جديداً للغلاف الجوي المريخي.
وكنتيجة لهذا، توقع غرين أن يزداد سمك الغلاف الجوي للمريخ مع مرور الوقت مما يؤدي إلى زيادة احتمال تمكن البشر من استكشاف المريخ وإنشاء المستعمرات.
وحسب توقعات غرين وزملاءه، سوف تزداد درجة الحرارة بمعدل 4 درجات مئوية وهي تعتبر كافية لإذابة ثاني أوكسيد الكربون الجليدي في القطب الشمالي المتجمد، والذي سيؤدي بدوره إلى تفعيل ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي ارتفاع حرارة الغلاف الجوي وذوبان الماء الجليدي في القطبين.
ووفقاً لحسابات الفريق فإن تطبيق هذه الفكرة يمكن أن يؤدي إلى استعادة سبع محيطات المريخ التي كانت موجودة على سطحه قبل مليارات السنين. --------------------------------------------------------------------------------------- تناقلت الأخبار رغبة إيلون ماسك في السفر إلى المريخ، وعبر ستيفن هوكنج مؤخرًا عن حماسه ليشهد رحلة البحث عن كوكب جديد ليكون موطنًا جديدًا للبشرية، وشرعت ناسا في تطوير محرك لنقل البشر إلى الكوكب الأحمر، لكن هل يستحق إنشاء قاعدة على سطح المريخ كل هذا العناء؟
قال آرون رايدلي من جامعة ميشيغان لموقع فيوتشرزم «يُعد استعمار المريخ تحديًا تقنيًا صعبًا للغاية وباهظ التكلفة،» وأشار إلى أن المريخ مثير للاهتمام علميًا، لكن التكاليف الهائلة المطلوبة لإنشاء محطة دائمة على سطح المريخ تضعف كفة استيطانه، وخاصةً أن تلك المستعمرة لن تكون حلًا بديلًا لمشكلة عدد السكان المتزايد بلا هوادة.
وقال رايدلي «نحن لا نرغب في السفر إلى القمر أو المريخ بسبب ضغط الكثافة السكانية، وإنما لإشباع رغبة داخلية فينا للاستكشاف والتنور.»
توافق «أماندا هيندريكس» العالمة في معهد العلوم الكوكبية رايلي رأيه عن استيطان المريخ الدائم وقالت لموقع فيوتشرزم «أجد السفر إلى المريخ -في رحلات قصيرة الأمد لاختبار تقنيات جديدة، وإجراء التجارب العلمية- أمرًا معقولًا،» وأضافت «لا يُعد الاستيطان البشري الدائم على سطح المريخ منطقيًا، بسبب خطر الإشعاعات.»
الأموال المريخية
تُعد التكلفة الباهظة أحد أكبر العوائق التي تقف في طريق استعمار البشر للمريخ، إذ يكلف الوصول إلى المريخ أموالًا طائلةً، ولا يُعد إيجاد مصدر ممول مهمةً سهلةً أبدًا. وقالت هيندريكس «أظن أن زيارة المريخ أو القمر هي الخطوة الطبيعية التالية لرحلة الاستكشاف البشري، لكن الإقامة طويلة الأمد على سطح أحدهما تتطلب أسبابًا مقنعةً، والرحلات السياحية ليست كذلك.»
يعتقد «كريس مك كاي» عالم الكواكب من مركز ناسا أيمز للأبحاث أن إنشاء قاعدة حكومية على سطح المريخ هو الدافع الاقتصادي المنطقي الوحيد لاستعمار المريخ، رافضًا أن تكون الرحلات السياحية أو عمليات التنقيب السبب في إنشاء المستعمرات على سطحه، وقال لفيوتشرزم «يكمن وجه الشبه هنا في القواعد المبنية في القطب الجنوبي منذ عام 1955 حتى عام 1990 تقريبًا،» وأضاف «كانت جميع القواعد خلال تلك الفترة قواعدًا حكوميةً علميةً للأبحاث ضمن معاهدة أنتاركتيكا، وبعد عام 1990 أخذت السياحة في النمو، ما أدى إلى إنشاء قواعد سياحية غير علمية لا تتبع للحكومة.»
لن يجني أحد ثروةً من الاستيطان على سطح المريخ، ما يُصعب إيجاد مصدر لتمويل ذلك المشروع باهظ الثمن، وعلى الرغم من أن إنشاء مستعمرة تامة البناء على سطح المريخ ليس توجهًا حكيمًا لبرنامج فضائي محتمل، لكن يوجد الكثير لاستكشافه عن ذلك الكوكب.
المريخ أفضل من القمر
من المرجح أن تُبنى القاعدة على القمر قبل بنائها على المريخ، وعلى الرغم من أن ذلك سيعود بفوائد عديدة، لكن الكثيرين سيؤكدون أن المريخ أكثر إثارة للاهتمام من القمر، على الرغم من صعوبة الوصول إليه.
وقال رايدلي «أعتقد أن المريخ أكثر إثارةً للاهتمام من القمر،» على الرغم من اعترافه بعدم رغبته في السفر إلى المريخ، وأضاف «أنا أؤمن بالخطوات الصغيرة، ما يجعل البدء باستكشاف القمر قبل المريخ منطقيًا أكثر في نظري.»
وكتب مك كاي «يُعد المريخ أكثر إثارة للاهتمام من القمر علميًا،» ثم أضاف ثلاثة إيجابيات: تشابهه مع الأرض فيما يخص العمليات الكوكبية وتاريخها، وإمكانية العيش على سطحه، وإمكانية تأريضه.
إذا تجاهلنا جميع تلك الاعتبارات، يتفق الجميع أن استعمار المريخ سيكون أمرًا مذهلًا للغاية، لكن لبعض الأمور أولويات على الأخرى، ولا يبدو حاليًا أن الاستيطان الدائم على سطح المريح أفضل استغلال للموارد الموجودة على سطح الأرض.
---------------------------------------------------------------------------------------- سُئل عالم الفيزياء الفلكية البريطاني براين كوكس عن فائدة مشاريع البحث والرصد الفضائي التي تُصرف عليها أموال طائلة كل عام دون مردود اقتصادي مباشر، فكانت إجابته في جملة واحدة: لو كانت الديناصورات تملك مشروعاً للأبحاث والرصد الفضائي لظلت موجودة حتى اليوم!
هذا الحوار القصير يلخص موقف الرأي العام من «فكرة» استعمار الفضاء. فاليقين بأن «أرضنا» هي المستقر الأوحد للجنس البشري يقابله دوماً تذكير بأن الأرض وحدها دوناً عن كل الأجرام الفضائية مناسبة للحياة.
لكن، وعلى الضفة الأخرى لمجرى النقاش، ينبغي أن نستحضر أن كوكبنا الأزرق حافل بالبقاع المستعصية على الحياة والمضادة لها. ولا أدلّ على ذلك من عدة تجارب بحثية وحضارية مثيرة، تستعين بظروف أرضية متطرفة في قسوتها كي تُعدّ مستكشفي المستقبل لاستعمار كوكب لمريخ.
مبررات استكشاف الفضاء newspic_2728هناك مبررات عدة لاستكشاف الفضاء الخارجي. منها الاستراتيجي؛ فالدول الكبرى تسعى لتكريس تقدمها على بعضها بعضاً عبر تثبيت مواطئ أقدام لها على التخوم الأولى للفضاء الخارجي – كالقمر والمحطّات الفضائية -. وهناك المبررات الاقتصادية والمتعلقة بحقوق استثمار الموارد المعدنية والطبيعية خارج حدود الأرض. وهناك مبررات دافعها غريزي ويثيرها السؤال: ماذا لو تخلت الأرض عنّا يوماً.
فحين توفرت المعرفة للإنسان وفطن لحقيقة الكون واتساعه، وكيف أن كوكبنا الأرض ليس مركزاً للكون ولا يملك خصوصية تميّزه عن مليارات الأجرام الأخرى في المجرة وأضعافها خارج المجرة؛ حينها دارت في باله أسئلة عميقة عن موقعه في الكون ومدى إمكانية استكشاف أرجائه، وعن إمكانية انتقالنا كجنس بشري إلى جرم سماوي آخر؛ سواء أكان كوكباً أو قمراً لكوكب آخر، لنتخذه وطناً لنا.
وبدءاً من منتصف القرن الماضي عمدت مجموعة من الدول والاتحادات الدولية إلى تنفيذ مشاريع رسمية خُصصت لها ميزانيات هائلة لاستكشاف مزيد عن الفضاء ودراسته، وكذلك تنظيم الرحلات المأهولة وغير المأهولة لمعالم ودروب الفضاء الشاسع. وكان أن حققت هذه المشاريع نجاحاً مدهشاً في فترة وجيزة. فالبشر وطأوا سطح القمر مراراً، وأصبحت لديهم محطة دائمة في الفضاء (محطة الفضاء الدولية ISS)، ونرى كذلك أن الرحلات غير المأهولة قد زارت بالفعل كل كواكب المجموعة الشمسية بل وتجاوزتها لما وراءها في عمق المجهول.
هذه المشاريع العظيمة – في حجمها وهدفها – تتعدَّد ما بين مشاريع قصيرة المدى تستغرق سنوات قليلة، وبين مشاريع طويلة المدى تصل لعشرات السنين مثل مشروع «أورورا» (وترجمتها الإشراق وتطلق كذلك على ظاهرة الشفق القطبي) (Aurora Exploration Program) لاستكشاف المجموعة الشمسية. بل إن بعضها قد وضع له برنامج يمتد عبر قرن كامل، مثل مشروع «المركبة النجمية» (100 Year Starship) للسفر إلى مجموعة نجمية أخرى. هذان المشروعان الأخيران سيرسمان الخطوط العريضة لمستقبل الرحلات الفضائية البشرية كما ستعايشها الأجيال المقبلة من المستكشفين، لكنهما ما زالا إجمالاً في طور الإعداد والتخطيط. مشروع «أورورا» على سبيل المثال تندرج تحته خطوات بحثية ومشاريع فضائية فرعية تمتد كل منها لسنين، والغرض من ذلك هو تطوير إمكاناتنا وقدرتنا على التعايش مع الظروف المتطرفة في الفضاء.
تجدر الملاحظة إلى أن الجهات المسؤولة عن هذه المشاريع هي وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، والإدارة الوطنية الأمريكية للملاحة الفضائية والفضاء (NASA) على التوالي. ما يوحي بأن مستقبل استكشاف الفضاء بيد تلك الدول وإن كانت روسيا بعراقة تجربتها والصين بطموحها ومن خلفهما الهند يبتغون جزءاً غير بسيط من الكعكة.
مشروع أورورا: قمة الطموح البشري الفضائي Industry Day 052بدأ التخطيط والإعداد لمشروع أورورا الاستكشافي الذي يهدف إلى استكشاف المجموعة الشمسية منذ عام 2002م، بالتعاون بين 11 بلداً منها عشر بلدان أوروبيةٍ، هي: إيطاليا – التي كانت المساهم الرئيس – وإسبانيا والمملكة المتحدة والنمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا، وانضمت إليهم كندا كذلك. وما ميّز هذا المشروع الضخم هو «الديمقراطية» التي تحلَّى بها. ففي المرحلة الأولى تم استطلاع الأوساط العلمية والأكاديمية والصناعية بخصوص الوجهات والأهداف المقترحة لاستكشاف الفضاء على المدى الطويل، وكانت النتيجة لصالح استكشاف كوكب المريخ أولاً من بين مجموعة من الأجرام السماوية الأخرى، بسبب قربه النسبيّ ولتركيبته الصخرية وغلافه الجوي مما يجعله ربما الأكثر شبهاً بكوكبنا من أي جرم سماويٍّ آخر في مجموعتنا الشمسية. وكان هذا الاستطلاع الأساسيّ الذي قام عليه مشروع «أورورا»، وقاد إلى تكوين مشروع «إكسومارس» (ExoMars) الفرعي من أجل دراسة سطح الكوكب الأحمر وبيئته ومناخه كي يتم الإعداد لأول رحلة بشرية إلى هناك على الإطلاق – ضمن مشروع أورورا العظيم – التي من الممكن أن تحصل خلال مدة تتراوح بين 10 و15 عاماً في أفضل التقديرات!
وكما نعرف، فإن المريخ بات محطة مألوفة لمسابر وآليات أمريكية وأوروبية وروسية وصينية ويابانية وهندية في السنين الماضية، لكن لم يحط عليه أي إنسان حتى هذه اللحظة.
بشر على سطح المريخ نعم، السفر إلى المريخ لم يعد مجرد خيالٍ محصورٍ في الروايات والأفلام، بل بدأت بالفعل وكالات الفضاء الدولية الإعداد والتخطيط له منذ عقود. ويمكن تتبع الاقتراحات والمحاولات الأولى لاستعمار الكوكب الأحمر إلى الخمسينيَّات الميلادية. أما في السنين الأخيرة، فقد ظهر مشروعان حقيقيان لنقل البشر إلى المريخ هما مشروع «إكسومارس» آنف الذكر ومشروع «مارس ون» Mars One المثير الذي تطوع فيه مئات الآلاف للرحيل إلى هناك بلا عودة.
لكن قبل اتخاذ أي خطوةٍ باتجاه استعمار أي جرم سماوي يجدر بنا أن نتساءل: هل يمكننا تحمل الرحلة الطويلة والصعبة إلى الأجرام السماوية البعيدة؟ هل يمكننا تحمل قسوة الطبيعة هناك حتى داخل بيئات محمية وبزّات فضائية متطورة؟ هل يمكن لمجموعة من البشر الاستقرار معزولين عن بقية أفراد نوعهم لأجيال وأجيال؟
الجواب هو على الأرجح: نعم، والدليل موجود، بل وقريب جداً.
بيئات «غير أرضية» على كوكبنا الأزرق! تخيل العيش تسعة أشهر معزولاً تماماً عن العالم، في مكان مقدار يومه حوالي 8,700 ساعة (أو بمعنى آخر سنة كاملة حيث يدوم فيه النهار 6 أشهر والليل 6 أشهر). مكان درجة حرارته تحت الصفر في كل المواسم لدرجة أن سطحه يتشكل من طبقة ثلجية دائمة يصل سمكها إلى 2 كيلومترين في المتوسط، مما يجعل سطحه أبيض على الدوام. ثمة مكان على سطح كوكبنا يشبه في بعض جوانبه القمر يوروبا التابع لكوكب المشتري أكثر مما يشابه بقية الأرض، إنها القارة القطبية الجنوبية أو أنتاركتيكا التي تصل مساحتها إلى ضعفي مساحة قارة أستراليا ويرتفع معظمها 10 آلاف قدم – ثلاثة آلاف متر- فوق سطح البحر. هذه القارة ليس فيها سكان أصليون من البشر، حيث لم يستقر بها أحد من جنسنا قط بسبب ضراوة وشراسة ظروفها البيئية. لكن مع تقدم العلوم، ما عاد أي مكان على سطح الأرض عصياً على بني البشر.
فمنذ منتصف القرن الماضي، بدأ إنشاء قواعد دائمة على سطح القارة معظمها لأغراض علمية ليزورها ويستقر بها العلماء والباحثون وتكون محطة لهم ليقوموا بدراساتهم حول الفلك والفيزياء والعلوم الطبية والجيولوجيا وغيرها. واليوم يوجد ما يقارب الخمسين مركزاً ومحطة بحثية صيفية أو دائمة هناك، تملكها 30 دولة مختلفة ويقطن بها حوالي 4000 شخص في الصيف – حيث يمكن أن تنتقل السفن والطائرات – و1000 شخص فقط خلال الشتاء الرهيب، يخضعون لاختبارات طبية مشابهة لتلك التي تُجرى على روَّاد الفضاء، ويمكثون في القطب بين شهري فبراير ونوفمبر. قد نتساءل: لماذا هذا النقص الكبير في العدد؟ الجواب هو لأن من يظل في المحطة بعد الثالث عشر من فبراير لن يجد وسيلة مواصلات تخرجه منها لمدة تسعة أشهر – أي حتى شهر نوفمبر نهاية السنة – وذلك لاستحالة وصول الطائرات والمركبات إلى هذه المحطات القطبية في فصل الشتاء؛ لأن الوقود النفطي يتجمد عند درجة حرارة 45 مئوية تحت الصفر.
Amundsen-Scott-South-Pole-Stationخلال الشتاء الطويل البارد المظلم هناك، حيث تختفي الشمس تماماً، تظل درجة الحرارة الخارجية أقل من 60 درجة مئوية تحت الصفر لشهور متواصلة بلا ارتفاع، وقد تصل إلى 90 درجة مئوية تحت الصفر في بعض المناطق! بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع القارة الكبير فوق سطح البحر يؤدي إلى تدنٍ في وفرة الأوكسجين الجوي بنسبة %30 نظراً لانخفاض الضغط الجوي. والنتيجة هي أن الاعتماد على الهواء الخارجي في التنفس بلا معالجة يؤدي إلى تناقص الأكسجين في الدم خلال فترة وجيزة فيشعر الشخص بالدوار والغثيان والصداع، وقد ينتهي به السبيل إلى فقدان الوعي أو حتى الموت إن ظل على ذلك لوقت طويل نسبياً. وبحسب وصف الطبيب ديل مول – الذي قضى شتاء 2012م هناك – فإن التنفس مباشرة من الهواء الخارجي بلا واقٍ يؤلم كثيراً وكأن خناجر من الثلج تنسحب داخل الحلق، ورطوبة الهواء الخارج من الشخص أثناء الزفير تتجمَّد أمام صاحبها في الجو. ويذكر أيضاً أن الأسنان تؤلم لساعات بعد تعرضها للهواء الخارجي!
استطاع البشر قهر هذه الظروف الرهيبة التي تشابه ظروف الأجرام الفضائية الأخرى والتي يمكن وصفها بغير الأرضية – إن صح التعبير – وأثبتوا جدارة عالية في التعايش معها. فالمباني تعمل باكتفاء ذاتي تماماً، والقاطنون فيها يعيشون مدة تسعة أشهر كاملة على ما جمعوه في البداية من غذاء وأدوات وأيضاً على تدوير ما يمكن تدويره. بل حتى التواصل مع العالم الخارجي عن طريق شبكة الإنترنت ليس متاحاً إلا لساعات معدودة في اليوم – باعتبار اليوم 24 ساعة – وبنطاق محدود جداً. هذه الظروف أتاحت أيضاً اختبار الآثار الصحية والنفسية السلبية التي يتقاطع فيها العيش في القطب الجنوبي مع رحلات الفضاء الطويلة، مثل الإجهاد العالي، والاكتئاب، وفقدان الدافع للتمارين والأكل الناتج عن العزلة الطويلة والظروف البيئية المختلفة كانقطاع ضوء الشمس.
جزيرة تريستان: الأكثر عزلة في العالم لكن ماذا عن الخطوة التي تلي عيش البشر في ظروف بيئية صعبة جداً لمدة تصل إلى سنة؟ هل يمكن أن يعيش هؤلاء الأفراد في بيئة معزولة في الفضاء – بعد أن يغادروا الأرض – لعقود وقرون، مؤسسين سلالات جديدة، بلا اختلاط مع بقية البشر -الأرضيين-؟
الجواب قد تقدمه لنا بقعة أخرى مدهشة في تطرّف ظروفها على أرضنا، هي جزيرة تريستان دا كونا Tristan da Cunha وقاطنوها الذين عاشوا قروناً في انعزال تام عن العالم.
tristan_(c)_hadoram_shirihai_(3)بدأت القصة حين حطّ جوناثان لامبرت الأمريكي مع ثلاثة من أصدقائه على جزيرة صغيرة نائية ومهجورة في أقصى جنوب المحيط الأطلسي، إلى الغرب من رأس الرجاء الصالح، عام 1810م وأعلن ملكيته لها بعد أن نوى العيش فيها. هذه الجزيرة التي هي في الحقيقة بركان شاهق اسمها تريستان دا كونا نسبة للبرتغالي الذي اكتشفها عام 1506م ولم يطأها، تبعد عن أقرب يابسة لها – وهي جزيرة أخرى صغيرة – أكثر من 2400 كيلومتر! بعد سنوات قليلة قدم الجيش البريطاني عام 1816م واستولى على الجزيرة لغرض عسكري في البداية ثم لاحقاً لغرض تحويلها لمحطة استراحة للرحلات البحرية المقبلة من أوروبا قاصدةً الشرق الأقصى، فازدهرت الجزيرة نسبياً لعقود، وتوافدت إليها جماعات من المدنيين البريطانيين بغرض الاستقرار. لكن بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م لم تعد هناك حاجة لهذه الجزيرة فتركت لأهلها الذين بلغ عددهم العشرات!
عاش هذا المجتمع الصغير في عزلة طويلة واستقلال تام عن العالم. فقد كانوا يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما ينسجون ويتزاوجون فيما بينهم، حيث لا يوجد فيها إلا سبعة ألقاب عائلية. ومات الجيل الأول ولم يبق فيها إلا أبناء الجزيرة الذين ولدوا وترعرعوا في كنفها ولا يعرفون سواها موطناً. بل ولما أخلت الحكومة البريطانية الجزيرة من أهلها عام 1961م بسبب ثوران البركان القابع في منتصفها وأخذتهم إلى بريطانيا، حصلت لهم صدمة نفسية وصعوبة شديدة في التأقلم أدت بهم للعودة إلى موطنهم الأم في غضون سنين قليلة على الرغم من المخاطر والظروف البيئية الصعبة!
rristan-da-cunha-mapسكان جزيرة تريستان دا كونا الذين لم يزد عددهم عبر القرون على 270 شخصاً، أثبتوا لنا أنه يمكن لمجموعات من البشر العيش بانقطاع كامل وعزلة تامة طالما تحصلوا على استقلال ذاتي في الموارد الأساسية للحياة. الآن لا حاجة لنا إلى خيال واسع لنرى أنه يمكننا استعمار كوكب آخر استعماراً أبدياً إن توفرت متطلبات العيش الأساسية، كالماء والغذاء. وهذا ما بدأ يصبح حقيقة تحت ظل الاكتشافات الحيوية والتقنية الأخيرة.
هل سيتحقق الحلم المنتظر؟ في النهاية، يُتوقع أن نشهد أول تجربة لاستعمار جرم سماوي آخر في غضون عقدين فقط من الزمن سواء من خلال مشروع «إكسومارس» أو مشروع «مارس وَن» المثير. فالتجارب البشرية التي ذكرناها آنفاً ترجح نجاح هذه المساعي الاستكشافية.
ومما لا شك فيه أنه لو تمكن البشر من تحقيق هذا الحلم المنتظر فستكون تلك نقطة محورية في تاريخ جنسنا بل وفي تاريخ الحياة الأرضية.. التي سيتغير اسمها بانتقال جزء من الأصل وتأسيس فروع له خارج نطاق الكوكب الأزرق الأم.
---------------------------------------------------------------------------------------- ان تأسيس مستعمرة بشرية دائمة على المريخ ليس خيارًا، بل ضرورة»، هذا ما يقوله أكثر العقول إبداعًا في القرن الواحد وعشرين من أمثال باز ألدرين، وستيفن هوكنج، وإيلون ماسك، وبيل ناي، بل وحتى نيل ديجريس تايسون.
برغم ذلك، فإنه من الصعب أن ترى كيف ستعود مهمات بشرية تكلف كل منها مئات مليارات الدولار إلى المريخ بالفائدة على البشرية، إنه لمن السهل أن تتخيل ما يمكن أن تصنعه بهذا القدر من المال، كمحاربة الجوع والفقر والتطرف، لكن هذا ليس إلا لأن البشر يملكون قصر نظر، فهم لا يركزون سوى على ما يحدث غدًا بدلاً مما قد يحدث بعد مئة عامٍ من الآن.
يقول ستيفن هوكنج في عام 2008 في محاضرة عقدت بمناسبة الذكرى الخمسين على تأسيس ناسا: «إذا أراد الجنس البشري أن يستمر لمليون عامٍ آخر، يجب علينا أن نتجرأ في الذهاب إلى مكان لم يذهب إليه إنسان من قبل».
يقودنا هذا لاستعراض أول الأسباب لاستعمار المريخ:
السبب الأول: ضمان بقاء الجنس البشري لم يعرف البشر وطنًا آخر سوى الأرض، لكن التاريخ يظهر أن البقاء كجنس بشري على هذه النقطة الزرقاء الصغيرة المحلقة في الفضاء لا بد أن يكون صعبًا وغير مضمون، فالديناصورات هي مثال كلاسيكي: فقد جابوا أنحاء الكوكب ل165 مليون عام، واليوم لا يوجد أثرٌ لهم سوى بقاياهم الأحفورية لأن نيزكًا سبب انقراضهم.
لذلك فإن تفريق البشر على أكثر من كوكب كفيل ببقائهم لآلاف بل ملايين الأعوام من الآن، وفي هذا الصدد يضيف إيلون ماسك مخبرًا الفلكي والمدوِّن (Phil Plait): «يجب على البشر أن يصبحوا كائنات متعددة الكواكب».
أنشأ إيلون ماسك شركة النقل الفضائي سبيس إكس لتساعد في جعل هذا الأمر ممكنًا.
أما المريخ فهو هدف مثالي، لأن طول اليوم عليه يعادل تقريبًا طول اليوم على كوكبنا، إضافة إلى وجود مياه جليدية على سطحه، وأكثر من ذلك، فإنه الخيار الأمثل، لأن عطارد والزهرة يمتلكان حرارة عالية، ولا يمتلك قمرنا غلافًا جويًا يحمي سكانه من أي صدمات نيزكية مدمرة.
السبب الثاني: اسكتشاف الحياة على المريخ قال بيل ناي، المدير التنفيذي للجمعية الكوكبية خلال حلقة من حلقات برنامج ستارتوك راديو (StarTalk Radio) في مارس أن البشرية يجب أن تركز على إرسال بشرٍ إلى المريخ بدلاً من الروبوتات لأن البشر لديهم المقدرة على صنع اكتشافات بمقدار 10 آلاف ضعف مما تستطيع المركبات استكشافه اليوم، ورغم تردده في إضافة وجوب عيش البشر على المريخ، إلا أنه وافق على وجود العديد من الاكتشافات الواجب تنفيذها هناك.
قد يصنع العلماء اكتشافات من الممكن أن تحدد ما إذا وجدت الحياة على المريخ، وإذا أردنا اكتشاف هذا الأمر، علينا عندها أن نحفر أعمق مما حفرته مركبات ناسا، خصوصًا بوجود نظرية بأن الحياة لم تولد على مستنقعات الأرض، بل من مياه المريخ.
تقترح نظرية الحياة المريخية بأن صخورًا غنية بالكائنات الحية الدقيقة قد قذف بها من على سطح المريخ بسبب صدمة قوية لتشق طريقها في نهاية الأمر إلى الأرض، ليس من الصعب تخيل صحة هذه النظرية بوجود صخورٍ مريخية على الأرض، لكن لا يظهر أيًا منها للأسف أي إشارات على الحياة.
يقول كريستوفر إيمبي، عالم فلك بريطاني ومؤلف للعديد من كتب الفلك والعلوم المبسطة في دورية (Business Insider): «لا يمكن استبعاد حقيقة أن صخرة مريخية تمتلك حياة على سطحها قد حطت على الأرض وأعلنت شارة البداية للحياة على الأرض، ولا يمكن اختبار هذا فعليًا إلا بإيجاد حياة على المريخ».
السبب الثالث: تحسين جودة الحياة على الأرض كتب الدكتور البريطاني أليكساندر كومار عام 2012 في مقال لمجلة بي بي سي استكشف به إيجابيات وسلبيات إرسال البشر إلى المريخ: «فقط بدفع البشرية إلى أقصى حدودها، وإلى أعماق الفضاء، سنتمكن من صنع استكشافات في العلوم والتكنولوجيا يمكن تبنيها لتحسين الحياة على الأرض».
في هذا الوقت، كان يعيش كومار في أكثر مكان شبيه بالمريخ على الأرض، أي القطب الجنوبي، لاختبار كيفية التأقلم مع الظروف المتطرفة نفسيًا وجسديًا، ولفهم أكثر، لنتامل هذا المثال:
خلال أول ثلاث سنوات له في الفضاء، أخذ تلسكوب ناسا صورًا خلابة للفضاء لكنها احتوت رغم ذلك على البعض من العيوب، وأصلحت المشكلة في عام 1993، لكن سعيًا منهم في الاستفادة من صور (blurry) خلال السنوات الأولى، طور الفلكييون خوارزمية حاسوبية لاستخراج المعلومات من الصور بشكل أفضل.
تبين لاحقًا أن طبيبًا استخدم هذه الخوارزمية في الأشعة السينية لفحص سرطان الثدي، فقد أعطت الخوارزمية نتائج أفضل في الفحص للمراحل المبكرة لسرطان الثدي بصورة أفضل من الطريقة التقليدية، والتي كانت في ذلك الوقت تفحص بالعين المجردة. فسر نيل ديجريس تايسون في برنامجه، ستار توك، خلال مقابلة له مع الصحفي فريد زكريا قائلًا: «تقاطع المجالات يحصل دائمًا، فيطرأ إبداع في واحد منها ليلهم تغييرات ثورية في الآخر».
لذا لا يمكننا التنبؤ بماهية التكنولوجيا الواجب تطويرها لاستعمار المريخ والفائدة التي ستعود علينا منها على كوكب الأرض، لكن يمكننا إدراك أنه بالدفع بالبشرية إلى حدودها القصوى سنتمكن من الذهاب إلى أي مكان وإبداع أي تكنولوجيا.
السبب الرابع: النمو كجنس واحد
وفقًا لنيل تايسون، فإنه يوجد لدينا سبب آخر للذهاب إلى المريخ، وهو لإلهام الجيل القادم من مستكشفي الفضاء، وعندما سأل نيل ما إذا يجدر بالبشر الذهاب إلى المريخ، أجاب: «نعم، فإنه لاستعمار المريخ سوف نحتاج إلى جيل كامل من العلماء، والمهندسين، والتقنيين، والرياضيين، وبالنظر إلى هذا فإن الجيل التالي من رواد الفضاء لا يزالون في المرحلة الإعدادية الآن».
طموح البشرية لاستكشاف الفضاء هو ما يحركنا نحو المزيد من الابتكارات التقنية المتقدمة والتي ستفيد البشرية بطريقة أو بأخرى، ويقول تايسون خلال مقابلته مع زكريا: «يبدو الفضاء كواجهة لما يحدث في الاجتماع، كالدافع إلى الابتكار، ولا يوجد واجهة تدفع الطموح مثل ناسا».
وجهة نظر كتاب الخيال العلمي
مصدر الصورة: ناسا
في رأي العديد من كتاب الخيال العلمي، فإنه قد يساعد استعمار المريخ البشرية على الهرب من المشاكل التي يعاني منها جنسنا على الأرض، إذ أوضح توم ليجون، والذي ينشر في أغلب الأحيان في مجلة (Analog Science Fiction and Fact) للخيال العلمي والحقائق، أن المريخ يحوي العديد من المخاطر، لكنه لا يحوي أفاعٍ مجلجلة، أو زلازل، أو إرهابيين، أو حتى حروب.
وقال توم خلال نقاش في السابع من مارس في قمة «البشر إلى المريخ» بواشنطن: «انقرضت البراكين، فأصبحت هادئة جيولوجيًا، لذا فإن المريخ أكثر أمانًا من الأرض في بعض النواحي».
ويضيف الروائي مايكل سوانويك: «إن استكشاف هذا الكوكب الأحمر قد يساعد في حل مشاكل نقص الموارد الموجودة على كوكبنا، فكثير من الموارد في نفاذ، وبعضًا منها نعتمد عليها بشكل رئيسي، فربما ينفذ النحاس في المستقبل».
تقبع قوة الخيال العلمي في إظهار رؤى للناس عن الاستكشاف وإيضاح إمكانياته، فيأمل كتاب هذا المجال في إلهام الأجيال القادمة كي يحلموا بالمريخ أو حتى عوالم أخرى من بعده، كما يمثل الكوكب الأحمر للعديد من المغامرين رمزًا لشيء أكبر من مجرد استكشاف بسيط، فيمثل أملًا للبشرية، لذلك فإن هذا يفسر اعتبار الناس المريخ بقعة مميزة على مدار التاريخ، وتفسيرًا لرغبتهم في استعماره.
ومثال على ذلك، طلبت منظمة هولندية غير ربحية متطوعين لرحلة إلى المريخ بلا عودة، ورغم التضحيات المبنية على هكذا مهمة، فقد تلقت المنظمة أكثر من 200 ألف طلب، وعندما يرغب البشر في ترك الكوكب الوحيد الذي أسموه يومًا ما وطنًا لمواجهة موت محدق على بعد ملايين الكيلومترات، فإنها إشارة على أن علاقة الحب بين البشرية وذلك الكوكب الأحمر قد وصلت قمتها.
مستقبل ما بعد كوكب الأرض بينما قد لا يكون الكوكب الأقرب للأرض، إلا أن العلماء اعتبروا هذا الكوكب أكثر تمثيلًا للأرض، وهذا يعد بنفسه سحرًا خلابًا.
في عام 1960 أرسلت أول مجموعة من المسابير إلى الكواكب القريبة وعادت إلينا بصور لسطح مريخي مليء بالفوهات تمامًا كقمر كوكبنا، ولحسن حظ محبي المريخ، فقد أطلقت مهمات أخرى بعد عقد من الزمن لتعود لنا بنسخ أوضح لكوكب المريخ، صور تظهر براكين ضخمة، وكثبانًا رملية، وأنهارًا جافة، وخنادق كبيرة تمتد لآلاف الكيلومترات.
يمتاز المريخ بيوم طوله 24.6 ساعة، وأقطاب جليدية شبيهة بالأرض، ويعتقد العديد أن المريخ مستقر نسبيًا لبناء مستعمرات بشرية، والتفكير السائد بأنه إذا لم تعد الأرض قادرة على تلبية احتياجاتنا، فإن المريخ سيقوم بالمهمة.
ويتطلع المليونير إيلون ماسك إلى أبعد من ذلك، فقد صرح مدير تسلا الجنوب أفريقي أن الاستعمار ضرورة إذا أردنا حماية مستقبل البشرية.
وفي وقت مبكر من العام، أعلنت شركة سبيس إكس أنها جمعت مليار دولار مخصصة للاستكشاف الفضائي من شركات مثل جوجل، إضافة إلى رحلات صاروخية إلى الفضاء خلال السنوات القادمة.
وفي هذه الأثناء، عزمت شركة فيرجن ممثلة بريتشارد برانسون على إطلاق خطوط رحلات فضائية من خلال إرسال البشر إلى مدارات فرعية وأكد ريتشارد على دوره في بدء إرسال رحلات إلى المريخ.
لكن إيلون ماسك وريتشارد ليسا سوى آخر من تحدث عن استعمار المريخ، ففي عام 1979، نشر العالم بينتون كلارك أول الأوراق البحثية التي تفحص المتطلبات اللازمة لدعم الحياة على الأسطح المريخية، وسمى الورقة «الحالة التي يكون فيها الرجل على المريخ»، وافترض كلارك في ورقته أن البعثات البشرية يمكن التخفيف من وزن مركباتها عن طريق استخراج المياه من التربة المريخية واستخلاص الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون الموجود في غلاف المريخ الجوي.
وفي النهاية، يمكن القول إن جميع وكالات الفضاء تجمع على أن المريخ هو هدف الأفق للرحلات البشرية، كما تتفق على أنه أكثر الوجهات تفاؤلًا للاستعمار القصير الأمد.
---------------------------------------------------------------------------------- في وقت ينشغل فيه البشر باستعمار كوكب المريخ، يظهر الكوكب على شاشة التلسكوب الفضائي هابل التابع لوكالة ناسا في هذه الصورة التي التقطت يوم 12 مايو 2016، عندما كان المريخ على بعد 50 مليون ميل من الأرض، وهي أقرب نقطة يصل إليها على مدى عقد كامل من المتابعة، حيث وفر للمشاهدين عرضًا سماويًا كاملا من الغسق للفجر، ولكن كيف تظل الكائنات الأرضية على قيد الحياة على سطح الكوكب الأحمر؟ تلك كانت القضية الأكثر إثارة للجدل.
ويناقش الآن فريق دولي من الباحثين من فلوريدا وبولندا والبرازيل عن المشاكل التي قد تواجه البشر أثناء التكاثر في المريخ، باعتباره كوكب آخر خارج الأرض لدعم الاستكشافات البشرية المستمرة.
ولسوء الحظ، يأتي هذا المسعى مع تحديات عملاقة في مختلف التخصصات، من تكنولوجيا السفر إلى الفضاء إلى التحديات الطبية والبيولوجية والاجتماعية والأخلاقية.
نفترض أن التكاثر البشري في وذكر الباحثون في تقرير الدراسة إن "مستوطنة المريخ ستكون ضرورية لنجاح بعثة الفضاء الخارجي على المدى الطويل".
وفي عدد يونيو من مجلة "فيوتشرز"، اقترح الباحثون أن إنجاب الذرية من التكاثر على المريخ سيكون أصعب من الوصول إلى الكوكب نفسه. ووفقا للباحثين، فإن الغلاف الجوي للمريخ يعادل 1٪ من سمك الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وسيجعل الكوكب أكثر عرضة للإشعاع الشمسي الخطير. ولن تسبب هذه الإشعاعات فقط امراضا مخيفة كالسرطان ولكنها سوف تقلل أيضا من عدد الحيوانات المنوية.
لقد ثبت في السابق أن من يعيشون في جاذبية منخفضة تضعف أجهزة المناعة لديهم. وتجدر الإشارة إلى أن النساء الحوامل تكون استجابتهم المناعية ضعيفة، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك لخلق مشاكل كبيرة.
وقد أشارت نتائج عدة تجارب سابقة إلى أن ضغط الدم يصبح منخفضًا للغاية في ظروف الجاذبية الصفرية، وبما أن الأداء الجنسي للرجل يكمن فقط في الانتصاب، فإن انخفاضًا حادًا في ضغط الدم سيؤثر على الأداء الجنسي السليم للرجل في المريخ.
ولحل كل هذه القضايا، اقترح الباحثون نوعًا جديدًا من الكائنات الحية المهندسة وراثيا، والتي يمكن أن تبقى على قيد الحياة بشكل أفضل في ظروف المريخ.
ومع ذلك، لن يتمكن هؤلاء البشر المعدلون وراثيا من العيش على الأرض حيث سيتم تعديلهم ليعيشوا بشكل مريح على سطح المريخ.
وعلى أي حال، عندما يزور هؤلاء المريخيون الأرض، فإنهم قد يكونون في حاجة إلى مساعدات تكنولوجية وصحية للاستمرار في الظروف الأرضية، على الرغم من استمرار معضلة التكاثر.
إلا أن إيلون موسك، مؤسس شركة سبيس إكس، واضح للغاية بشأن الحكومة المفترض أن تحكم كوكب المريخ في المستقبل. وسبق أن كشف الملياردير الجنوب أفريقي عن اعتقاده بأن الحكومة المقبلة على المريخ ستستند إلى الديمقراطية المباشرة، حيث يصوت الناس مباشرة على مختلف القضايا.
وفي حوار مع بي بي سي، تحدث موسك عن حيوية استعمار المريخ في المستقبل القريب لحماية الأنواع البشرية من الانقراض في حالة اندلاع حرب نووية.
أكد باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن البشر، الذين ينوون الذهاب للمريخ، لن يمكنهم الصمود أكثر من 68 يوما. وعمد الباحثون في المعهد على تحليل الخطط والبيانات، التي وضعها مسؤولو مشروع "مارس ون" لمساعدة الإنسان على استعمار المريخ بداية من عام 2024.
وأكدت الدراسة التحليلية أن التكنولوجيا، التي ينوي البشر استعمالها لاستعمار الكوكب الأحمر، غير قابلة للتطبيق وأن وفرة الأكسجين بكميات هائلة وعدم القدرة على التخلص منه هي أبرز ما يهدد حياة المسافرين على متن الرحلة.
وبعد عمل محاكاة للظروف التي سيواجهها البشر في الرحلة للمريخ، أكدت الدراسة أن الفوج الأول من البشر سيعيش تقريبا 68 يوما من بداية الرحلة، علما بأن 34 مليون ميل تفصل الأرض عن المريخ ما يستلزم السفر لنحو 7 أشهر متواصلة.
من جانبهم، شكك القائمون على مشروع "مارس ون" في صحة أرقام معهد ماساتشوستس، موضحين أنها تعتمد أساسا على بيانات منقوصة.
ويهدف مشروع "مارس ون" إلى إرسال مجموعة من الأشخاص في رحلة ذهاب بلا عودة إلى سطح المريخ للعيش عليه، مع العمل على في نفس الوقت على تصويرها وتسويقها كعرض تلفزيوني، وبالفعل تطوع 200 ألف شخص تقريبا من 140 دولة حتى الآن للقيام بالرحلة.