يومَ بدر
رأسُ عدوِّ الله
الجزء الاخير
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال "بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ، فنظرت عن يميني
وشمالي، فإذا أنا بغلامَيْن من الأنصار حديثةٍ أسنانُهما
معاذ بن عفراء ومعاذَ بن عمرو
، تمنيْتُ أن أكون بين أضلعَ منهما، فغَمَزني أحدُهما فقال: يا عمِّ، هل تعرفُ أبا جهل؟ قلت: نعم، وما حاجتُك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبِرتُ أنه يَسُبُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيتُه لا يفارقُ سَوادي سَوادَه حتى يموتَ الأعجَلُ منَّا .. فتعجَّبت لذلك فغَمَزني الآخر فقال لي مِثلَها، فلم أَنْشَبْ أن نظرتُ إلى أبي جهل يَجُولُ في الناس، فقلت: ألاَ إن هذا صاحبُكما الذي سألتُماني، فابتدراه بسيفَيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه. قال: "أيُّكما قَتَله؟ " قال كلُّ واحد منهما: أنا قتلته. فقال: "هل مَسَحْتما سَيْفَيكما؟ ". قالا: لا. فنظر في السَّيفيْن، فقال: "كلاهما قتله،
------------------------
وعن معاذِ بن عمرو - رضي الله عنه - قال: "جعلتُ أبا جهل يومَ بدرٍ من شأني، فلما أمكنني حَمَلتُ عليه، فضربته، فقطعتُ قَدَمه بنِصفِ ساقه، وضربني ابنُه عكرمةُ بن أبي جهل على عاتِقي، فَطَرح يدي، وبقيَتْ مُعلَّقَةً بجِلدةٍ بجنبي، وأجهَضَني عنها القتالُ، فقاتلت عامةَ يومي وإني لأسحبَها خَلفي، فلما آذَتْني، وضعتُ قدمي عليها ثم تمطَّأْتُ عليها حتى طرحتُها قال هذه واللهِ الشجاعة، لا كآخَرَ مِن خدْشٍ بسهم ينقطعُ قلبه وتخورُ قواه".
° قال: "ومرَّ بأبي جهل مُعوِّذُ بنُ عفراء، فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رَمَق. ثم قاتل معوِّذ حتى قُتِل وقُتل أخوه عوف من قبله، وهما ابنا الحارث بن رفاعة .
ثم مرَّ ابنُ مسعود - رضي الله عنه - بأبي جهل، فوبَّخه، وبه رَمَقٌ، ثم احتزَّ رأسه
-------------
وعن أنس -رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "مَن ينظرُ ما صنع أبو جهل؟ "، فانطلق ابن مسعود - رضي الله عنه -، فوَجده قد ضَرَبه ابنا عفراء،
فقال: أأنت أبا جهل؟ -قال ابن عُليَّة: قال سليمان: هكذا قالها أنس. قال: أأنت أبا جهل (¬1)؟ - قال: وهل فوق رجل قتلتموه -أو قال: قتله قومه-! قال: وقال أبو مِجْلَز (¬2): قال أبو جهل: فلو غَيْرَ أكَّارٍ قتلني" (¬3).
° وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه أتى أبا جهل وبه رَمق يوم بدر، فقال أبو جهل: "هل أعمَدَ من رجلٍ قتلتموه" (¬4).
وعَمَد بمعنى: هلك.
• وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن ينظرُ ما صنع أبو جهل؟! "وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم - في سيفيهما، وقال: "كلاكما قتله"، وأنه قضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح". انتهى.
و"عفراء" والدرو معاذٍ، واسم أبيه "الحارث"، وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه "عفراء"، وإنما أظلق عليه تغليبًا.
وُيحتمل أن تكونَ أمُّ معوِّذ -أيضًا- تسمَّى "عفراء"، أو أنه كان لمعوِّذ أخ يسمَّى "معاذا" باسم الذي شَرَكه في قتل أبي جهل، ظنه الراوي أخاه.
° قال معاذُ بن عمرو بن الجموح: "سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجَرْحة: "أبو جهل الحَكَمُ لا يُخلَصُ إليه"، فجعلتُه مِن شأني،
فعَمَدتُ نحوه، فلما أمكنني حَمَلتُ عليه، فضربته ضَربة أطنَّت قدمَه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطَرَح يدي- قال: ثم عاش معاذٌ إلى زمنِ عثمان ... قال: ومرَّ بأبي جهل معوِّذُ بنُ عفراءَ، فضَرَبه حتى أثبَتَه وبه رَمَقٌ، ثم قاتل معوِّذٌ حتى قُتِل، فمر عبدُ الله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق".
فهذا الذي رواه ابن إسحاق يَجمعُ بين الأحاديث، لكنه يخالفُ ما في "الصحيح" من حديثِ عبد الرحمنِ بنِ عوفٍ أنه رأى معاذًا ومعوِّذًا شَدَّا عليه جميعاً حتى طرحاه.
° وابن إسحاق يقول: إن ابنَ عفراءَ هو معوِّذ -والذي في "الصحيح": "معاذ"- وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شدَّ عليه مع معاذِ بنِ عمرو، كما في "الصحيح"، وضربه بعد ذلك مُعَوِّذٌ حتى أثبتَه ثم حَزَّ رأسَه ابن مسعود، فتجمع الأقوال كلها، وإطلاقُ كونِهما قتلاه يخالف في الظاهرِ حديثَ ابنِ مسعود أنه وَجَده وبه رَمَق، وهو محمولٌ على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسَيفيهما منزلةَ المقتول حتى لم يَبْقَ به إلاَّ مثل حركةِ المذبوح، وفي تلك الحالة لَقِيه ابن مسعود فضرب عنقه ".
° ولله درُّ حسان بن
فغادَرْنا أبا جهلٍ صريعًا ...
.. والله أعلم