مؤسّس علم النحو
سير أعلام النبلاء عن أبى الأسود: دخلت علي علىّ فرأيته مطرقاً، فقلت: فيم تتفكّرُ يا أمير المؤمنين ؟
قال: سمعت ببلدكم لحناً فأردت أن أضع كتاباً فى اُصول العربيّة.
فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا. فأتيته بعد أيّام، فألقي إلىَّ صحيفة فيها:
الكلام كلّه: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمّي، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمّي، والحرف: ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل. ثمّ قال لى: زده وتتبّعه. فجمعت أشياء ثمّ عرضتها عليه[١٠].
تاريخ الخلفاء عن أبى الأسود الدؤلى: دخلت علي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب (ع) فرأيته مطرقاً مفكّراً، فقلت: فيم تفكّر يا أمير المؤمنين ؟
قال: إنّى سمعت ببلدكم هذا لحناً فأردت أن أصنع كتاباً فى اُصول العربيّة.
فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، وبقيت فينا هذه اللغة.
ثمّ أتيته بعد ثلاث، فألقي إلىَّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلمة: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمّي، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمّي، والحرف: ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل.
ثمّ قال: تتبّعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود، أنّ الأشياء ثلاثة:
ظاهر، ومضمر، وشىء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنّما يتفاضل العلماء فى معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر.
قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إنّ وأنّ وليت ولعلّ وكأنّ، ولم أذكر لكنّ، فقال لى: لِمَ تركتها ؟
فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلي هى منها، فزدها فيها[١١].
شعب الإيمان عن صعصعة بن صوحان: جاء أعرابى إلي علىّ بن أبى طالب، فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، كيف تقرأ هذا الحرف "لا يأكله إلاّ الخاطون" كلٌّ والله يخطو ؟
فتبسّم علىّ (ع) وقال يا أعرابى: لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئـُونَ[١٢]
قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ما كان الله ليسلم عبده.
ثمّ التفت علىّ إلي أبى الأسود الدؤلى فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت فى الدِّين كافّة، فضع للناس شيئاً يستدلّون به علي صلاح ألسنتهم، فرسم له الرفع والنصب والخفض[١٣].
المناقب لابن شهر آشوب: وهو [الإمام علىّ ] واضع النحو ; لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسي بن عمرو الثقفى عن عبد الله بن إسحاق الحضرمى عن أبى عمرو بن العلاء عن ميمون الأفرن عن عنبسة الفيل عن أبى الأسود الدؤلى عنه .
والسبب فى ذلك: إنّ قريشاً كانوا يزوّجون بالأنباط[١٤] فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم، حتي إنّ بنتاً لخويلد الأسدى كانت متزوّجة بالأنباط، فقالت: إنّ أبوى مات وترك علىّ مالٌ كثيرٌ. فلمّا رأوا فساد لسانها أسّس النحو.
وروى أنّ أعرابياً سمع من سوقى يقرأ: "إنَّ اللهَ بَريءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِه"[١٥] فشجّ رأسه، فخاصمه إلي أمير المؤمنين، فقال له فى ذلك، فقال: إنّه كفر بالله فى قراءته.
فقال : إنّه لم يتعمّد ذلك.
وروى أنّ أبا الأسود كان فى بصره سوءٌ، وله بنيّة تقوده إلي علىّ ، فقالت: يا أبتاه، ما أشدُّ حرِّ الرمضاء ! تريد التعجّب، فنهاها عن مقالتها، فأخبر أمير المؤمنين بذلك فأسّس.
وروى أنّ أبا الأسود كان يمشى خلف جنازة، فقال له رجل: مَن المتوفّى ؟
فقال: الله، ثمّ أخبر عليّاً بذلك فأسّس.
فعلي أىّ وجه كان وقعه إلي أبى الأسود وقال: ما أحسن هذا النحو !، احشِ له بالمسائل، فسمّى نحواً[١٦].
تاج العروس: إنّ أوّل من رسم للناس النحو واللغة أبو الأسود الدؤلى، وكان أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب (ع)[١٧].
تاج العروس ـ فى بيان الأقوال فى وجه تسمية علم النحو بهذا الاسم ـ: قيل: لقول علىّ رضى الله تعالي عنه بعدما علّم أبا الأسود الاسم والفعل وأبواباً من العربيّة: انحُ علي هذا النحو[١٨].
البداية والنهاية عن ابن خلّكان وغيره: كان أوّل من ألقي إليه علم النحو علىّ بن أبى طالب، وذكر له أنّ الكلام: اسم، وفعل، وحرف. ثمّ إنّ أبا الأسود نحا نحوه، وفرّع علي قوله، وسلك طريقه، فسمّى هذا العلم: النحو، لذلك[١٩].