مرض الحب4
هناك شكل آخر من الحب المرضى
وهو ذلك النوع من الحب الذي يمكن
أن نطلق عليه الحب الوهمي أو الحب الكاذب
وتكمن حقيقة هذا الحب في أنه حب لا يوجد
إلا في خيال هذا الشخص المحب وفي أوهامه
وهو حب لا يرتبط أساساً بشخص محدد موجود فعلاً.
وأحد المظاهر الأخرى للحب الوهمي أو الحب الكاذب
هو الهروب من حياة الحاضر والعيش على اجترار
قصص الماضي وذكرياته. كم من المخطوبين
أو المتزوجين حديثاً يحلمون بالمستقبل السعيد
بينما هم في الوقت الحالي قد بدأ كل منهما
يشعر بالملل تجاه الآخر، ولما يأت المستقبل بعد.؟
هذا التفكير في المستقبل السعيد يتفق
مع الاتجاه العام الذي أصبح يميز الانسان الحديث
فالانسان المعاصر لا يعيش حاضره
إنه يجتر ذكريات الماضي ويعيش عليها بعيداً
عن الحاضر، كما أنه قد يعيش على أحلام
المستقبل أيضاً بعيداً عن الحاضر
وما هذا الأسلوب إلا نوع من الخداع النفسي
فالحب الوهمي هنا هو المخدر الذي يتعاطاه الناس
ليهربوا من الواقع المؤلم
الذي يشعرون فيه بالغربة والعزلة والانفصال
ويكمن أحد أشكال الحب المرضي العصابي
في ميكانزمات الإسقاط، أي محاولة الهرب
من المشكلات الخاصة، والتركيز على أخطاء
المحبوب وعلىنقاط ضعفه
ويظهر هذا الشكل في بعض الحالات
التي يهرب أصحابها من ذواتهم حيث
نجد أن سلوكهم يصطبغ بصفة دينية أو بصفة قومية
وفي الحقيقة فإن هؤلاء الناس لديهم درجة عالية
من الحساسية حتى للأخطاء الصغيرة التي تصدر
عن الآخرين، في الوقت الذي يغمضون
فيه عيونهم عن أخطائهم، ونقاط ضعفهم،
أو يتجاهلونها وذلك بشغل أنفسهم بإلقاء اللوم
وتوجيه العتاب إلى الآخرين على ما صدر منهم
وذلك بهدف تعليمهم وتوجيههم
فإذا حدث وكان لدى شخصين نفس اهتمامات
البحث عن أخطاء الآخرين، فإن علاقة الحب
بينهما ستقوم على عملية نفسية
هي عملية الإسقاط المتبادل.
ومن أشكال الحب المرضى الأخرى التي
تعتمد على عملية الإسقاط، ما يحدث من إسقاط
الانسان لمشاكله الخاصة على الأطفال
وذلك من خلال رغبة الانسان في أن يكون له طفل
وهنا نجد أن الرغبة في الحصول على طفل
هي رغبة نابعة بالدرجة الأولى من مشكلة
وجود ذلك الانسان في حد ذاته
ثم تتحول إلى رغبة في إنجاب طفل
فعندما يشعر شخص ما بأنه من الصعب عليه
أن يجعل لحياته معنى ما، فإنه يحاول
أن يجد هذا المعنى المفقود في حياة الطفل
الذي يرغب في إنجابه
وهذه المحاولة في حل المشكلة الذاتية
إن هي إلا محاولة
محكوم عليها بالفشل سواء بالنسبة
للفرد ذاته أو بالنسبة للطفل
وذلك لأن مشكلة وجود ذلك الشخص
لا يمكن حلها إلا بالنسبة لهذا الشخص فقط
وبطريقة مباشرة وليس عن طريق استخدام
نائب أو بديل يقوم بتقديم الحل لهذه المشكلة
وغالباً ما يكون الأطفال في هذه الحالة مجرد
ميكانزمات نفسية في نظر مثل هؤلاء الأفراد،
وخصوصاً عندما تواجه الزوجين مشكلة الانفصال
عن بعضهما بالطلاق. وفي هذه الحالة نسمع
كثيراً من مثل هذين الزوجين ـ خصوصاً عندما
تفشل علاقتهما الزوجية ويقفان على أبواب
الطلاق ـ إنهما لا يريدان الإقدام على خطوة الطلاق
حتى لا يحرما أطفالهما نعمة الحياة في جو الأسرة،
والذي يعتبرونه جواًَ ضرورياً لنمو الأطفال نمواً سليماً.
أضف إلى كل ما سبق أن هناك حالات أخرى محيرة
فهناك توهم بأن الحب لا بد أن يكون حباً بلا عقبات
وبلا مشاكل وكأنه أحد الأحلام الجميلة
يؤدى هذا التوهم أو الاعتقاد إلى اعتقاد
آخر يرى أنه من الضروري تجنب كل الآلام
وتجنب الأحزان بأي طريقة
من الطرق حتى تظل الحياة وردية
وهنا نجد أن الانسان المعاصر يفترض
أن الحب يعني اختفاء جميع أنواع الخلافات والصراعات
ويحاول الانسان أن يدلل على ذلك بطريقة جيدة
وذلك بالقول بأن الخلافات الزوجية أو الخلافات
التي تعتري الحب لا تؤدي إلا إلى تدمير الحب
ولا تدر أي نفع على الانسان، ولذلك فمن
الأجدى تجنب هذه الاختلافات
ولقد أثبتت الدراسات أن السبب الحقيقي
وراء الصراعات النفسية التي يعاني منها الانسان
في حياته يكمن أساساً في الصراعات التي يعاني
منها ذلك الانسان أثناء محاولته تجنب الصراعات الحقيقية
ولقد وضحت الدراسات أن هناك فروقاً واختلافات
بين خصوصيات الانسان الدقيقة وبين الخصوصيات
الجانبية التي يعيشها هذا الانسان نفسه
هذه الصراعات لا تعتبر صراعات مدمرة
بل على العكس فإنها تؤدي إلى الوضوح،
كما تؤدى إلى تنقية الانسان نفسه