السفر عبر الزمان
يرى العلماء اليوم بفضل نظريات آينشتاين أن الزمن هو جزء من نسيج الكون، ملتحم بالمكان ولا يمكن فصله عنه، وأن الأبعاد الأربعة (أبعاد المكان الثلاثة، أي الطول والعرض والارتفاع، إضافة إلى بعد الزمن) تكوّن معاً عالمنا الذي نعرفه. كما أن البعد الرابع (الزمن) لا ينعدم كما نتخيل بمجرد مرورنا به، أي أن اللحظات التي مررنا بها لم تصبح مجرد "ذكريات" منطبعة في أذهاننا ولم ينقضِ وجودها الواقعي، بل هي على العكس تماماً لا تزال تحتفظ بوجودها الفيزيائي الواقعي. وكل ما في الأمر أن عقلنا لم يعد يدركها لأنه غير معد لذلك.
يمكننا تصور الأمر كشريط سينمائي، وكما لو أن كل دقيقة في هذا الشريط تحتوي على 24 لقطة من الفيلم، فنعرف أننا نشاهد لقطات متتابعة، ولكن لا يمكننا أن نرى في نفس اللحظة أكثر من لقطة واحدة فقط. فهل يعني هذا أن باقي اللقطات غير موجودة؟ بالطبع لا. الآن تخيل أن كل لقطة في هذا الفيلم تساوي ما نسميه نحن "العالم، الآن" وأننا بدلاً من أن نكون مجرد متفرجين أصبحنا أبطال الفيلم نعيش ونتحرك بداخله في أبعاده المكانية الثلاثة. لن نستطيع أن ندرك حسياً سوى اللقطة (اللحظة) التي تمر بنا فقط، وهذا بالضبط ما يحدث لنا في الواقع.
قبل حوالى 350 عاماً، وفي معرض شرحه لقواعد الفيزياء العامة، كتب العالم الإنجليزي سير اسحق نيوتن عن الزمن يقول: "لست بحاجة لأن أشرح ماهية الزمن لأنه من المطلقات المتعارف عليها". لكن الحقيقة أن تصور نيوتن كان بعيداً عن الصواب، على الأقل من وجهة نظر الفيزياء الحديثة.
إن تصور الزمن كقطار يتحرك في خط مستقيم دائماً وبسرعة ثابتة هو مجاف للرؤية التي شرحها الفيزيائي ألبرت آينشتاين في نظريتيه النسبيتين الخاصة (1905) ثم العامة (1915) قبل أن تبرهنها التجربة العملية. ما تقوله النسبية ببساطة هو أن الزمن ليس قطاراً لا يعود أبداً للخلف، بل هو متغير يعتمد على تفاعل الكائن الذي يرصده مع بيئته الخارجية وسرعة حركته في المكان واتجاهها.
في 28 يونيو 2009، أقام عالم الفيزياء الشهير ''ستيفن هوكينج'' حفلة ضخمة في ساحة جامعة كامبريدج، أحضر المثلجات والمُشهيات والبالونات، جلس العالم الأبرز في مجال الفيزياء على كرسيه المتحرك في كامل اللباس الرسمي، انتظر ثم طال الانتظار، غير أن أحدًا لم يأت، فـ''هوكينج'' - الذى توقع عدم مجيء شخص واحد إلى الحفل- أرسل دعوات الحفل بعد انتهاؤه بالفعل، مهديًا ذلك إلى ''مسافر زمني ما في المستقبل'' مطالبًا إياه بالحضور، وحين انقضى وقت الحفل ولم يأت أحد، برهن ''ستيفن'' بذلك على استحالة السفر إلى الماضي مهما كانت التقنية المستخدمة ومهما كانت الظروف قائلاً ''هذا بالإضافة إلى معضلة الجد بالطبع''.
ماذا سيحدث لك إذا سافرت بواسطة آلة زمن وعُدت إلى الماضي وقمت بقتل جدك في مهده؟ سؤال احتار في إجابته العلماء المناصرين لإمكانية السفر عبر الزمن، ففي حالة حدوث ذلك، سيقوم الشخص المُسافر بقتل جده، وبالتالي لن يستطيع الجد أن يُرزق بطفل؛ الذي سيكون هو أب المسافر الزمني، وبالتالي لن يأتي ذلك المسافر إلى الحياة، ولن يسافر عبر الزمن لقتل جده! تلك هي معضلة الجد.
لكن، ربما يكون ''هوكينج'' مخطئًا في كتب التاريخ المُستقبلية، فبعد عقود طويلة، حاول العلماء فيها الإجابة على ذلك السؤال، الذى يبدو أقرب للفلسفة منه إلى العلم، تمكن مجموعة من الباحثين من معرفة إجابة السؤال بواسطة الفوتونات الضوئية، وذلك حسب تقرير نشرته مجلة ''ساينتفك أمريكان'' المُتخصصة بمجال العلوم
معظم نظريات الفيزياء لا تحتوي على نفي إمكانية السفر إلى الوراء عبر الزمن، وخصوصا مع وجود تقنيات مُقترحة – مثل تجاوز سرعة الضوء وحقول التفاف الزمن والأنفاق الكمية - يمكن إيجادها حال توافر الإمكانيات بل إن بعض النظريات والتي من بينها نظرية النسبية العامة لأينشتاين تصف الأمر بكونه ''ممكنا''، فالتشوهات الناتجة من حقول الجاذبية القوية، مثل تلك التي ينتجها ثقب أسود، قد تتمكن من عمل تشوه عميق في نسيج ما وصفته النسبية بـ''الزمكان'' وهو ما قد يؤدى إلى خلق منحنيات زمنية مُغلقة CTC'''' والتي يمكن أن تستخدم في السفر عبر الزمن.
إلا أن ''هوكينج''، ومعه العديد من الفيزيائيين، يؤكدون عدم وجود تلك المنحنيات بالشكل المُسرد في النظرية النسبية العامة، بسبب سلوك الجسيمات الأساسية في الفراغ، غير أن عالم بجامعة ''كوينزلاند'' تمكن من صياغة فرضية تؤكد أتفاق النسبية مع نظريات ميكانيكا الكم، التي لطالما استخدمها المناهضين لفكرة السفر عبر الزمن للبرهنة على استحالة تلك العملية.
فـ''تم رالف'' عالم الفيزياء بالجامعة، تمكن بمساعدة فريق كبير من الباحثين من استخدام فوتونات ضوئية داخل منحنى زمنى مُغلق CTC وقياس تطوراته وكتابة نتائج تتفق في جوهرها مع النظرية النسبية العامة التى يؤكد على احتمالية السفر عبر الزمن، فقد قام الباحثون بدراسة الفوتون داخل حلقة مُفرغة من الزمن، ووجدوا أن ذلك الفوتون حين يُسمح له بالتحرك بين وضع سابق وحالي –ماضي ومستقبلي- لن يؤثر ذلك على وضعه الآنى، وهو ما يحمل حلاً جذريًا لـ''معضلة الجد'
الفيزيائي ''تود براون''، الأستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا، يؤكد أن التجربة ''حاكت بأمانة'' عملية كانت توصف بالسابق بكونها مستحيلة، وهو الأمر الذى يجعل العلماء ''أقرب لتنفيذ رحلات عبر الزمن''.
هل السفر في الزمن ممكن؟
وإذا كان الزمن "نسبياً" غير مطلق بالفعل، فهل يعني هذا أننا إنْ أوجدنا وسيلة لكي يُبطىء الزمن حركته بالنسبة لشخص ما أكثر من الآخرين، فسوف ينتقل هذا الشخص إلى "المستقبل" بأسرع مما نفعل نحن؟ هل هناك أصلاً ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن التحرك عبر الزمن من الممكنات؟ أم أن هذه الفكرة سوف تظل حبيسة أفلام الخيال العلمي التي ربما أساءت إليها أكثر مما نفعتها وجعلت الكثيرين يستخفون بها؟
وهنا ننبه على أن الزمن مجرد دالة حسابية بين متغيرين، ولا يمكن فصله أو تجريده بحيث يمكن السفر عبره أو اختراقه ولكن يمكن أن يطول أو يقصر مقارنة بغيره، كما في وصف أيام الدجال التي يلبثها في الأرض، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يلبث: أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. رواه مسلم
وكما في قصة يوشع بن نون في فتحه بيت المقدس، حيث حضرها حين صلاة العصر فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا ـ فحبست عليه حتى فتح الله عليه. رواه البخاري ومسلم.
وأما إذا أريد بالسفر عبر الزمان إمكانية السفر في الفضاء واختصار الزمن، وليس السفر في الزمن نفسه، فهذا لا يحيله العقل، وقد حدث مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد يتيسر للإنسان من العلم ما يؤهله لاستخدام طرق نقل ـ وليس وسائل نقل ـ تتخطى سرعة الضوء، فإن مقاربة هذه السرعة أو تخطيها هو ما تعتمد عليه فكرة السفر عبر الزمن في النظرية النسبية لأينشتاين، جاء في الموسوعة الحرة: يرى بعض العلماء أن السفر إلى الماضي لا يمكن أن يحدث وإنما يكون باستمرار في اتجاه المستقبل، والعبرة هي اقتراب سرعة الحركة من سرعة الضوء، لقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا. اهـ.
ومما يمكن أن نتدبره من كتاب الله تعالى في هذا المجال، قوله عز وجل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
{ الكهف: 51}.
فلو أمكن السفر عبر الزمان إلى الماضي لأمكن أن نشهد ذلك، وقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ
{إبراهيم: 9}.
كل ما في الأمر أننا عندما نكون متفرجين نمتلك أداة للسيطرة على شريط السينما وتتوفر لدينا وسيلة للعودة إلى اللقطة الأولى أو الذهاب إلى اللقطة الأخيرة. لكننا لم نجد بعد الوسيلة الناجحة للعودة للماضي أو الذهاب للمستقبل في الواقع. أما الوجود العيني الواقعي للماضي والمستقبل والحاضر معاً، فهو من ثوابت الفيزياء الحديثة اليوم. وبالتالي فإن السفر عبر الزمن أصبح أمراً منطقياً من الناحية النظرية على الأقل.
يشرح هذا المقطع الممتع شكل الكون كما تُصوره الفيزياء الحديثة ومعنى الوجود المتلازم للماضي والحاضر والمستقبل معاً وكذلك منطقية فكرة السفر عبر الزمن:
وهذا يمكن أن نعلمه إذا سافرنا عبر الزمان